أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي المسلمين بتقوى الله .

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: ليس كل أحد يحيا في هذه الدنيا حياةً ذاتَ قيمة؛ إذ هناك حياة خاصة حقيقٌ بالمرء أن يسعى إليها ليكون حيا حقا، وليجعل لحياته التي يعيشها معنى وأثرا، فتعالوا عباد الله لنتعرف على هذه الحقيقة من خلال ما بين لنا ربنا عز وجل في محكم التنزيل والمعاني المستفادةِ من ذلك النداء القرآني الجليل ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِ وَأَنَّهُ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾ أي: أجيبوا الرَّسول إذا دعاكم إلى ما فيه صلاحٌ لكم، وحياةٌ طيبةٌ نافعةٌ لأبدانِكم وأرواحِكم في الدُّنيا والآخرةِ، ويَدْخُلُ فِي ذلك كُلُّ أعْمالِ البِرِّ والطّاعَةِ كما قال تعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بِأحسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وبيّن تعالى أن من نَتائِج الإعْراضِ عَنْ ذِكْرِ الله الوَخِيمَةِ المَعِيشَةَ الضَّنْكَ فقال جل في علاه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَومَ الْقيَامَة أَعْمَى﴾، قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر أقوال العلماء في معنى قوله: ﴿إذا دعاكم لما يحييكم﴾: “والآية تتناول هذا كله؛ فإن الإيمان والإسلام والقرآن والجهاد، يحيي القلوب الحياةَ الطيبة، وكمالُ الحياة في الجنة، والرسولُ داع إلى الإيمان وإلى الجنة، وهو داع إلى الحياة في الدنيا والآخرة، والإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة، حياةِ بدنه التي بها يدرك النافعَ والضار ويؤثرُ ما ينفعه على ما يضره.. وحياةِ قلبِه وروحِه التي بها يميز بين الحق والباطل، والغي والرشاد، والهوى والضلال.

وأضاف: حياة القلوب والأرواح لا تكون إلا بعبودية اللّه تعالى والاستجابةِ للوحي ولزومِ طاعة الله وطاعة رسوله على الدوام‏، فعلينا أن نستشعر دائما أن حياتنا الحقيقية إنما تكون في شرع ربنا ومنهجه وبما يدعونا إليه اللهُ والرسول من العلم والإيمان، وهذه هي الحياة النافعة التي تحصل بالاستجابة لله ولرسوله ظاهرا وباطنا، فَيَمْتَثِلُ العبد المَأْمُورَ بِهِ ويَجْتَنِبُ المَنهِيَّ عَنْهُ، فَيَئُولُ إلى الحَياتَيْنِ الطَّيِّبَتَيْنِ الدُّنْيَوِيَّةِ والأُخْرَوِيَّةِ، وأن من لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وإن كانت له حياةٌ بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات. ولاعجب فقد بين تعالى حال من جعل همَّه طولَ الحياة مع إعراضه عن عبودية ربه فقال سبحانه: ﴿ولَتَجِدَنَّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ﴾ فهم أشد الناس حرصًا على الحياة مهما كانت مهينة ذليلة، وليس شرطا عندهم أن تكون حياة كريمة عزيزة، بل كيفما كانت، حتى لو عاشوا حياة الدواب والبهائم والأنعام، مقتصرين على شهوة البطن والفرج، فتعسا لهم! وبئس العيش عيشهم الذي يعيشون! ولسوف يندمون يوم لا ينفع مال ولا بنون؛ فقد أضاعوا أيام حياتهم الحقيقية التي سيجد الواحد منهم غب إضاعتها يوم يقول ﴿يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.

وبين الشيخ غزاوي أن في الاستِجابة لله والرسول حياةُ القلبِ والعقل، وحياةُ النفس والمُجتمع، وحياةُ الأمة كلِّها، ومما يستفاد من قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡ﴾ ذلك أنَّهُ يَجِبُ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ إذا بَلَغَهُ قَوْلُ اللَّهِ أوْ قَوْلُ رَسُولِهِ في حُكْمٍ مِنَ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ أنْ يُبادِرَ إلى العَمَلِ بِهِ كائِنًا ما كانَ، ويَدَعَ ما خالَفَهُ مِنَ الرَّأْيِ وأقْوالِ الرِّجالِ، كما أن في هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بما جاء في الوحيين وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائناً ما كان.

وأكد أنه إذا استجاب المرء لله ولرسوله واهتدى بالقرآن وعمل بما فيه حصلت له الحياة الطيبة وكان على الهُدى والرشاد وإذا قام العبد بطاعة ربه وعبوديته مخلصا له فكل ما يجري عليه مما يكره يكون خيرا له، وإذا تخلى عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من محبوب هو شر له.

وقال: ما أجملَ الحياةَ في رحاب الإيمان! وما أطيبَ العيشَ في طاعة الرحمن! فالمستجيبون لله ولرسوله هم أهل الفلاح، وهم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياءَ الأبدان ولهذا كان أكملُ الناس حياةً أكملَهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ كلَّ ما دَعا إليه ففيه الحَياة، فمَن فاتَه جُزءٌ منه فاته جزءٌ من الحياة. وفيه من الحَياة بحسَب ما استجَاب للرسول صلى الله عليه وسلم. وبهذا ينتقل المؤمن بِعِزِّ الإيمانِ والعِلْمِ عَنْ حالِ الكَفَرَةِ مِنَ الصَّمَمِ والبَكَمِ وعَدَمِ العَقْلِ الَّذِي هو المَوْتُ المَعْنَوِيُّ إلى الحَياةِ المَعْنَوِيَّةِ. فلا حياة ولا سعادة ولا طمأنينة إلا في الاستجابة لله وللرسول، ولا ضيق ولا كدر ولا ضنك في العيش إلا بالبعد عن شرع الله جل وعلا. وهذا ما يفسر لنا تغيرَ حال من كان كافرا ميت القلب، مغمورًا في ظلمة الجهل؛ فهداه الله للحق، ووفقه للإيمان، وجعل قلبه حيا بعد موته، مُشرقا مُستنيرًا بعد ظلمته كما قال عز وجل: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ فقد ذهب عنه بعد إسلامه ما كان يجده من القَلق والحَيرة الشديدة والضيق القاتل والكآبة والأمراض النفسية، وأصبح بعد استجابته للحق يشعر بقيمة حياته وسكون نفسه وصفاء روحه وسعادة قلبه، ويعرفُ مبدأه ومنتهاه وسِرَّ وجودهِ، وغايةَ خَلْقهِ، حتى إن منهم من يصف حاله بقوله: ولدت من جديد، وكذا من كان بعيدا عن الله من عصاة المسلمين عندما تاب وأناب وعاد إلى رشده وجد طعم الإيمان وأحس بلذة العبادة وأنس بذكر ربه، وهو يَعُدُّ تلك السنين التي عاشها في غفلة قبل التوبة قد ضاعت من عمره وذهبت من حياته سدى، وهكذا فكل داع إلى طاعة الله ورسوله فهو داع إلى الحياة الطيبة النافعة، وله مثل أجر من دعاه فاهتدى واستضاء بنور الوحي وصار بالإيمان حيا.

وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن الضلال والشقاء متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، والله سبحانه يجمع بين الهدى وانشراح الصدر والحياة الطيّبة وبين الضلال وضيق الصدر والمعيشة الضنك.

‏وتناول الشيخ فيصل غزاوي, قوله تعالى : ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ﴾ حيث أن فيه بيان أن قُدْرة الله وعلْمه وإِحاطته حائلةٌ بين المرء وقلبه، وهو القادِرُ عَلى الحَيْلُولَةِ بَيْنَه وبَيْنَ ما يَشْتَهِيهِ قَلْبُهُ وأنه سبحانه يحجُزُ بين العَبدِ وقَلبِه إذا شاء، فلا يستطيعُ المَرءُ أن يُدرِكَ ويعِيَ به شيئًا مِن حقٍّ أو باطلٍ، إلَّا بإذنِ اللهِ تعالى، فقُلوبُ العباد بِيَدِ خالِقِها سُبحانه، يُصَرِّفُها ويُقَلِّبُها كيف يشاءُ.

وحذر مِن تَرْكِ الاستجابةِ لِرَسولِه إذا دعانا لِما يُحيِينا أو أن نردَّ أمْرَ اللهِ حين يأتِينا، أو نتثاقلَ ونتباطَأَ عن الاستجابةِ له، فمن وقع في ذلك فإنه لا يأمن أن يحول الله بينه وبين قلبه؛ فلا يمكّنه بعد ذلك من الاستجابة إذا أرادها، عقوبةً له على تركها بعد وضوح الحق واستبانته، وأما ختام الآية وهو قوله تعالى: ﴿‏وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏﴾‏ أي: واعلَمُوا -أيُّها المؤمنونَ- أنَّ إلى اللهِ تعالى مَصيرَكم ومَرجِعَكم يومَ القيامةِ، فتُجمَعون إليه وَحْدَه، فيُوفِّيكم جزاءَ أعمالِكم التي عملتموها في الدنيا؛ إنْ خَيرًا فخيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ.

وأوصى الشيخ فيصل غزاوي المسلمين أن يعتبروا بمن فقد الاستجابة لله ولرسوله فمات قلبه وهلك -عياذا بالله- وأن يبادروا الطاعات، ويتزودوا ليوم الحَشْر، والمسارعة في فعل الخيرات والاجتهاد في العمل وعدم الاعتماد على ما يقع في قلوبنا من تأميل البقاء، وطول الأجل، وما أحوج العبد إلى أن يتدارك بالتوبة ما هو فيه من الإعراض والغفلة، وأن يحقق الاستجابة في فترة المهلة قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه ندم ولا حسرة.

وقال: وها نحن الآن في شهر رجب أحد الأشهر الحرم التي يجب أن نستشعر مكانتها ونراعي حرمتها، استجابة لأمر الله عز وجل إذ يقول: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ..﴾ قال قتادة رحمه الله: “إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء.

وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي عن قصة مريم ابنة عمران حين صمتت في موقفها العصيب، لتعلمنا أن الإنسان يبلغ به الحال أحياناً مرحلة العجز حتى في الدفاع عن نفسه، فإن علم أن الله وليّه وهو كافيه، كفاه شرّ كل ذي شرّ، ودفع عنه بأس كل ذي بأس.

وأورد فضيلته قصة مريم حين أراد الله أن تنجب عيسى ابن مريم – عليهما السلام – وفي قصص القرآن عظة وعبرة، ودروس لا تنضب، يغرسها القرآن، وتتألق راسخة بفصاحته وقوة بيانه، مبيناً أن من عاش في رحاب القرآن علا قدره، واستبان له أمره، إذ احتفى القرآن بسيرة سيدة ماجدة، وامرأة فاضلة، وفتاة عابدة قانتة، خلّد القرآن ذكرها في سورة سمّيت باسمها، فاستشهد بقول الله تعالى: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ” فقد زكّيت قبل ميلادها، وبزغ فجرها في بيت صلاحه متسلسل، واصطفاؤه مستحق، أثنى الإله عليه بقوله:” إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ” فعمران والد مريم ابنة عمران أم موسى ابن مريم عليه السلام، ولهذا قال سبحانه ” ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”.

وأوضح فضيلته أن البيت الذي يضلّله الدين، ويضاء بالطاعة، ويحيا بالذكر ويدور مع الشرع حيث دار، بيتٌ كريمٌ، يخرج نباته طيباً، ويثمر بإذن ربّه ولو بعد حين، مبيناً أن امرأة عمران قبل الميلاد رسمت مستقبل ما في بطنها، وحدّدت له هدفاً سامياً في الحياة، فوصف القرآن نيّتها الصادقة حيث قالت تعالى “رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” مبيناً أن ذلك يعني أن الذي في بطني محرر لعبادتك، وحبسته على طاعتك، وخدمة قدسك، لا أشغله بشيء من الدنيا.

وبيّن فضيلته أن الدعاء للذرية أساس التربية، ومفتاح الصلاح والإصلاح، فلا يفتر لسان الوالدين عن اللهج به، ولا يغفل قلبهما عن استحضاره في كل وقت وحين، ومن الخطورة بمكان أن تخرج الأم عن طورها حال الغضب والانفعال فتدعو على الذرية بالهلاك وعدم التوفيق، فيوافق ذلك ساعة إجابة.

وأضاف: إن امرأة عمران عليها السلام أحاطت النية الصادقة بدعاء خالص أن يتقبّل الله منها، فتقبّل الله دعاءها في مولودتها قال الله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) ورسم لها ولفتاتها بل ولكل فتاة مسلمة معالم الطريق في الحياة، السعي لرضا الله، والنبات الحسن بكمال الأدب والعفّة والحشمة، والصحبة الصالحة التي تعين على الطاعة والعبادة.

وبيّن الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي أن القنوت والسجود والركوع هو من شكر المنعم الذي وهب لك الجمال، وجعلك مسلمة، ومتّعك بالصحة والعافية، وهو حصانة من منافذ إبليس وخطوات الشيطان، وهو موطن التكريم لمن رامت الكرامة، ومحراب العزة لمن ابتغت إلى ربّها سبيلاً.

وقال فضيلته: إن الابتلاء سنّة الحياة، فقد ابتليت الصدّيقة مريم، فقد تنحّت واعتزلت عن قومها لتتفرغ للعبادة، فأرسل الله إليها جبريل فتمثّل لها في صورة رجل تام الخِلقة، بحسن فائق، وجمال رائق، فظهر منها الورع والعفاف، قالت إني أستجير بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنتَ تقياً، فقال لها، إنما أن رسول ربك لأهب لك غلاماً من غير أبٍ، علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى، فأثنى الله عليها بقوله سبحانه: ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا).

وتابع الشيخ عبدالباري الثبيتي قائلاً: إنه في أوج المواقف العصيبة والمحن يأتي الفرج ويمتد اللطف، مستشهداً بقول الله سبحانه: “فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ” فنتصوّر حالها وقد وقع الأمر عليها أن تصبح حاملاً بلا زوج ولا مساس من رجل، حتى اضطرتها شدة الحال إلى تمني الموت “يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا”.

وحذّر فضيلته في الخطبة من اتهام الناس في أعراضهم وتصدير سوء الظن، وإصدار الأحكام قبل التثبّت، مبيناً أن ذلك إفكٌ وإيذاء بالغٌ، وبهتان محرّم، فقال تعالى ” إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ “.

وبيّن أن قصة مريم في موقفها العصيب تعلمنا درساً تاريخياً أن الصمت في بعض الأحيان أبلغ من الكلام، وأن السكوت أولى من النطق، وتعلمنا كراهة مجادلة السفهاء، فالسكون عن السفيه واجب، ومن أذلّ الناس، سفيهٌ لم يجد مسافهاً.

وأضاف قائلاً: “من كان مع الله لا يحزن، ومن حفظه الله لا يقلق، ومن أقبل على الله قرّت عينه، ومن عاش في رحاب الدين حماه الله، وضمن له السلامة وهناء العيش، فلا ترهق نفسك بالتفكير، فالله عنده حسن التدبير، ولا تحمل همّ المستقبل، فالأمر كله بيد الله”.